شملول وبهلول وتمبول، ثلاثة أطفال مبقلظين شديدو الكسل والبدانة، وفي حالة جوع دائمة! مع ذلك لديهم طاقة هائلة لعمليات النصب مُحكمة التخطيط، وهدفهم الوحيد والأهم هو: المكسب السريع من غير لا شُغلة ولا مَشْغلة. في مجلة سمير سنة ١٩٦٦ كان أول ظهور لتمبول وشملول وبهلول، وفي أول مشهد من صفحات القصة كان وصفهم: ٣ صبيان كسلانين يعيشون في مملكة، ياكلوا ويشربوا وساعة الشغل يهربوا! إنها شخصيات تنابلة الصبيان التي أبدعها الفنان حجازي (١٩٣٦ - ٢٠١١) في مجلة سمير.
شناوي
نُشر هذا الملف ملحقاً بكتاب "تنابلة الصبيان الأعمال الكاملة" للفنان حجازي. إصدار الفن التاسع، ٢٠٢٠
خلال مهرجان كايروكوميكس عام٢٠١٧ عملت على تصميم معرض لتنابلة الصبيان، من وقتها وفكرة هذا الكتاب تطاردني. كان هاني الطرابيلي مدير موقع عرب كوميكس قد تطوع بعرض مجموعته الخاصة/النادرة من كتب التنابلة. كده اتحلّت! الطرابيلي لديه أرشيف كامل مسلسل لأعداد سمير وقصص تنابلة الصبيان! وبدأ مشروع الكتاب يأخد قالباً واضحاً. كانت المفاجأة هو كمّ القصص، طويلة وقصيرة وعدد الصفحات الهائل الذي تخطى الـ ٤٥٠ صفحة.
كان مشروع إصدار كتاب/ألبوم يجمع الأعمال الكاملة لتنابلة الصبيان التي كتبها ورسمها الفنان حجازي قد أصبح ضرورياً، فالقصص نُشرت مسلسلة وقت ظهورها في مجلة سمير ثم أعيد نشر أشهرها في إصدارات خاصة من كتب الهلال للأولاد والبنات، بجودة متواضعة ولم تكن جميع الصفحات ملونة مثل القصص الأصلية، ومع الوقت بقيت القصص الغير منشورة فقط في أعداد نادرة لمجلة سمير فترة الستينييات والسبعينييات ولم يقرأها سوى من عاصر فترة إصدارها، كما أن الكتاب الوحيد عن كاريكاتير حجازي (١) لم يتناول أعماله في القصص المصورة.
(١) كاريكاتير حجازي فنان الحارة المصرية. محمد بغدادي.
غلاف الكتاب
أكتوبر ٢٠٢٠
ISBN : 978-2-9602401-3-9
على غلاف العدد ٥٣١ من سمير كان الظهور الأول لتنابلة الصبيان مع عنوان صغير أعلى الغلاف: في هذا العدد تلتقي مع: تنابلة الصبيان. كان الثلاثة يرتدون اللون الأحمر في البداية وأصبح لكلٍ منهم لاحقاً لوناً مميزاً: أحمر وأصفر وأزرق.
كانت فكرة حجازي هي تقديم مسلسل قصة مصورة بفكر مصري ليس له علاقة بالنقل من الخواجات «كنت أرسمه كنوع من الملاطفة والدعابة مع الطفل المصري، تعاملت معه ومن خلاله كصديق ومواطن صغير له وجهة نظر، من المفروض أن يفهم حتى لا يكون خاضعاً ويصبح إنساناً مشاركاً وفعالاً».
كتب حجازي المسلسل باسم تنابلة السلطان حسب القصة التراثية المعروفة واقترح زميله في المجلة، الفنان مصطفى رمزي استبدال السلطان بالصبيان، وافق حجازي وظهر المسلسل بهذا الإسم(٢) . كان مشهد النهاية: وكما جاء تنابلة الصبيان، عادوا إلى بلاد السلطان .وبدا كأن حجازي قد رسمها كقصة واحدة وليس كشخصيات ثابتة في المجلة تظهر في مغامرات أخرى، وشجّعه النجاح الكبير على مواصلة الكتابة لقصص أخرى لنفس الشخصيات.
(٢) الفنان صلاح بيصار، زياراتي لفنان الشعب.
تفصيل من مشهد في مغامرة تنابلة الصبيان الأولي.
حجازي ما كانش بيجمع أصوله؟ يبقى الأصول نجمع احنا قصصه المنشورة! كان المصدر الوحيد للمغامرة الأولى لتنابلة الصبيان هو الألبوم الكامل الذي أصدرته دار الهلال في الثمانينيات تقريباً، وأعيد نشره مرة أخرى في قطع أصغر في بداية التسعينيات. لم تُطبع جميع الصفحات ملونة، مما أفقد القصة نصف جمالها !لم يتم التعديل في النسخة المجمعّة لهذه المغامرة عن الأصلية كثيراً، فقط أضاف حجازي مشهداً بانورامياً في صفحتي المقدمة وعدة فواصل بين فصول الكتاب الثلاثة.
قرأ حجازي وزملاؤه في سمير مطبوعات ومغامرات لقصص مصورة أوروبية (فرانكو بلجيكية) بالتأكيد، لكن رسومه وخطوطه بقيت له وحده، أصلية وشديدة المصرية في تفاصيلها: أوتوبيسات مكتظة وتاكسي وسواقين وفلاحين مجتهدين تحت سيطرة «خوجة» ظالم وعاملات في البيوت بالشكل التقليدي -وقتها -وضباط بوليس وغفر ومصورين وصحفيين لحوحين وغير محترفين (ربما هو رأيه الشخصي فيهم؟) ومنتج سينمائي تافه. كل هذه التفاصيل في مغامرة بمجلة للأطفال كسرت قالب القصص الوعظية لأطفال مؤدبة مهندمة ومهدت لعالم فريد ومضحك خلقه حجازي أبطاله يفترض أنهم أطفال «مدوّخين» الناس من حولهم.
كتاب المغامرة الأولى للتنابلة.
إصدار دار الهلال.
بأشهر مغامراتهم، تنابلة الصبيان وتنابلة الخرفان، بدأ العمل فعلياً على هذا الكتاب الأرشيفي، المغامرة التي نشرت مسلسلة في سمير ثم أعيد نشرها في مجلّد عن دار الهلال عام١٩٨٠. وفي النسخة الجديدة تم تعديل بعض جُمل الحوار واستبدال بعض الإطارات بأخرى وأيضاً مشهد النهاية لتصبح أكثر «مثالية»! ما يذكرنا بمغامرات تان تان الأولى عندما أعاد إرجيه رسمها وتغيير مشاهد وشخصيات وجُمل حوارية في بعضها لتناسب وقت إعادة نشرها. تم حذف أول صفحتين من المغامرة في النسخة المجمعة والاكتفاء بوصفهم في عدة سطور بالمقدمة (للإلتزام بعدد محدد من الصفحات؟) وفي صفحة أخرى أعيد ترتيب بعض المشاهد بعد حذف نصف صفحة كاملة! لا أحد يعلم إذا كانت هذه التعديلات قد جاءت من الرقابة أم من محرر الإصدار الجديد وقتها؟
في نفس المغامرة، تم تعديل أحد المشاهد وزملاء اللص علي عليوة يقولون أنه «مات برصاصة طائشة» بدلاً من انتحاره! وهو أمر مفهوم بالنسبة لمجلة موجهة للأطفال، لكن أحد التنابلة يقول في صفحة أخرى صراحةً أن علي عليوة قد انتحر !لم تؤثر هذه التعديلات في تفرّد هذه المغامرة من الجانب الفني وبناء الشخصيات وتفاصيل الرسم المبهرة، لتبقى هي الأشهر وسط مغامرات التنابلة بغلافها الأيقوني (نفس الرسم المستخدم مع تصميم مختلف لغلاف هذا الكتاب).
^
غلاف كتاب تنابلة الصبيان وتنابلة الخرفان.
>
الغلاف الخلفي. إصدار دار الهلال ١٩٨٠.
>
مشهد القبض على سميرة لتوزيعها منشورات ضد التنابلة، قبل وبعد التغيير.
<
مشهد إذاعة المحاكمة قبل وبعد التغيير
>
مشهد النهاية
في تنابلة الصبيان وتنابلة الخرفان، النسخة الأصلية والنسخة المعدلّة أسفلها.
>
رد رئيس التحرير في النسخة الأصلية والمعدّلة.
>
مشهد آخر تم تعديله في نسخة ١٩٨٠.
يُجمع البعض على أن تنابلة الخرفان هي أفضل مغامراتهم وأكثرها درامية ومساساً بالواقع، خاصة في الفترة التي كتبها ورسمها حجازي. عرفنا عن تأثر حالته المزاجية بالأحداث وقتها، خاصةً سياسة الانفتاح وأثرها في أعماله. في المغامرة تكررت مشاهد السجن والقبض والتحقيق مع سمير وسميرة أبطال المغامرة، والتضاد الشديد بين حياة التنابلة المترفة وموظفي مصنع البلوبيف! مع ذلك حافظ حجازي على الطابع المضحك للمغامرة، خاصةً في الحوار وتصنّع التنابلة ونهمهم الشديد للأكل بكل أصنافه (أبدع حجازي في رسم كل صنف بدقة) والمبالغة في بلاهة مذيعات التليفزيون والراديو ليجعلك تقف وتفكّر: ده جدّ ولا هزار؟
كانت تقنيات طباعة القصص المصورة في نفس الفترة في مجلات أوروبية مثل سبيرو وتان تان تعتمد على فصل الخطوط الخارجية والنص في فيلم منفصل بالأبيض والأسود ثم أفلام التلوين، في الأغلب استخدمت سمير نفس التقنية، لكن الأفلام والأصول قد فُقدت بالطبع ولم يتبق لنا سوى إعادة مسح الصفحات المطبوعة بالمجلة ومحاولة استعادة حالتها الأصلية بفصل خطوط الرسم والنص عن الألوان (النسخة الزرقاء) كما يسمونها في مطبوعات المدرسة الأوروبية التقليدية.
^
مشهد التحقيق مع سميرة.
لم يحبس حجازي شخصياته في عالم واحد لا يتغير، من البداية كان الاتفاق مع القاريء على كسر القاعدة في كل مغامرة, مرة رجال أعمال يوزعون شيكات بنكية يميناً ويساراً ويسكنون بيتاً أو قصراً ويركبون سيارات فارهة ومرة أخرى يظهر التنابلة في بيت «العيلة» مع أب وأم في بيت متواضع بمنطقة شعبية يلعبون مع العيال (أو يمثلون اللعب معهم) في الشارع ومرة ثالثة نشاهدهم ينامون على الرصيف ويحاول إنقاذهم زغلول أفندي.
في مغامرة تمبول وشملول وبهلول وسكان القمر حاول حجازي الابتعاد عن مصر وعن كوكب الأرض كله في مغامرة مع سكان القمر! مع ذلك لم يستطع منع نفسه من العودة لسكان الأرض مرة ثانيةً خاصةً السياسة الأمريكية وبشكل واضح (رسم الرئيس الأمريكي ليندون جونسون) والتدخل الأمريكي في فييتنام ثم في القمر نفسه!
^
فيلم الخطوط والنص بالأسود ونسخة الألوان المستخدمة في تنفيذ هذا الكتاب.
تفصيلة من
مشهد الجاسوس في مغامرة تمبول وشملول وبهلول وسكان القمر.
نشرت جميع قصص تنابلة الصبيان في مجلة سمير أو كتب دار الهلال وكان آخرهم قصة ياحلاوتك ياجمالك وصدرت بحجم الجيب. ولتجهيز القصة للنشر في هذا الكتاب، قمت -بكل عشم- بإعادة مونتاج للإطارات لكي تملأ صفحة كاملة. وعلى العكس احتفظت بالمقاس الأصلي لـ كتيبات سمير التي كانت ملحقة بالمجلة بما فيها خطوط الطيّ، للاحتفاظ بطبيعة الـ «إصنعها بنفسك» التي أرادتها المجلة .طبعاً تم ترتيب صفحات الكتيب تبعاً لصفحات هذا الكتاب. وفي هذه الكتيبات كانت من المرات النادرة التي كتب فيها حجازي النص بخط يده، عكس كل المغامرات الأخرى التي كتب خطوطها وعناوينها المميزة والحداثية -أحياناً- خطاط (أو عدة خطاطين) مجلة سمير في ذلك الوقت: محمد رمضان والذي أضافت خطوطه الكثير لقصص التنابلة وارتبط في أذهان القراء -وأنا منهم -صوت التنابلة مع خطوطه. ظهر توقيع رمضان مرة واحدة فقط على عنوان مغامرة تنابلة الصبيان وعصابة تهريب الآثار وظهر توقيع زيدان(٣) مرة واحدة تحت عنوان يا حلاوتك يا جمالك.
(٣) الصحفي خليل زيدان، هو أيضاً صاحب المعلومة عن الخطاط محمد رمضان.
^
كتيب زغلولأفندي وتنابلة الصبيان كما نشر مفروداً على صفحات مجلة سمير.
<
تفصيل من خطوط المغامرات للخطاط: رمضان.
سيتعرف فوراً من تمعّن في أسلوب حجازي الفني على خطوطه «كاملة الاستدارة» في مغامرة يا حلاوتك يا جمالك الذي استمر حجازي في استخدامه حتى آخر رسوم نشرت له. غير أن كتيباً آخر للتنابلة ظهر لاحقاً -بدون تاريخ مطبوع- عن دار الفتى العربي ببيروت بعنوان تمبول الأول. وهي المطبوعة التي يبدو أن دار الهلال لم تكن راضية تماماً عن صدورها (لا نعلم ظروف الإصدار/الاتفاق بالتفصيل) والقصة مأخوذة عن الفصل الأخير من أولى مغامراتهم: تنابلة الصبيان في السينما، مشهد تصوير الفيلم وفيه يُلقي الملك تمبول بشملول وبهلول في السجن لينفرد بالحكم. انقطع تصوير الفيلم في المغامرة الأولى لأن المنتج «لعب قمار وخسر فلوسه كلها!» وعلى العكس في تمبول الأول فإن الشعب يقوم بثورة على الملك وتنجح! ويقوم الثوار بإعادة التنابلة إلي بلادهم في مشهد مماثل لنهاية المغامرة الأولى. وفي الصفحة الأخيرة من الكتاب وعدَ الناشر بصدور مغامرات أخرى للتنابلة لاحقاً، وهو مالم يحدث أبداً.
>
غلاف كتاب
تمبول الأول
دار الفتى العربي،
بيروت
^
كتب الهلال للأولاد والبنات.
يا حلاوتك يا جمالك،
دار الهلال ١٩٨٩.
صدر هذا الكتيب بالأبيض والأسود (ما عدا الغلاف) مع خلفية ثابتة بلون وردي فاتح لم تضف كثيراً، إلا أن حجازي تغلب على فقر الخطوط السوداء المجردة بإضافة تهشيرات ونقطاً وخطوطاً رأسية وعرضية وهو الأسلوب الذي ميّز رسومه في السنوات الأخيرة حتى توقفه عن الرسم، فخرجت الرسوم من الكتاب كتحفٍ فنية بالأبيض والأسود، بالإضافة لأيقونتين تجمع إحداهما التنابلة الثلاثة، والأخرى للملك تمبول مرتدياً وشاحه ونياشينه وهو غارق في الزخرفة النفاقية المبالغ بها من حوله.
كان وعي حجازي الاجتماعي حاضراً بقوة إلى جانب العمق السياسي في أعماله، وظهر واضحاً في مغامرة عصابة التنابلة التي نشرت مسلسلة في مجلة سمير وقتها ولم يعاد نشرها ثانيةً. في هذه الملحمة التي تدور أحداثها في قرية ريفية مصرية (آمنة) كما سماها، أبدع حجازي في رسم أبطالها من الفلاحين وحياتهم اليومية، آثار العمل اليومي الشاق في الشمس محفورة على وجوه الرجال، والتدخين بشراهة وتقديس كوبايات الشاي .كان دور التنابلة وعصابتهم المتنكرين في شكل عساكر البوليس هو زرع الشر في القرية الآمنة مع أن العلاقة بينهم وبين حسبو -البقال الجشع- كانت متوترة بالفعل، لأنه أراد فقط أن يدفع الفلاحون ثمن مشترواتهم، وهو ما يفسر فرحته الكبيرة بدخول البوليس للقرية الآمنة!
في الجزء الأخير من هذا الملف نعرض رسوم حجازي لتنابلة الصبيان على أغلفة متنوعة لمجلة سمير خلال فترة نشر مغامرات التنابلة على صفحاتها. كان بعضها أغلفة لمغامرات مسلسلة كاملة كعصابة التنابلة وسكان القمر. استكمالاً لهذا العمل الأرشيفي لحفظ تاريخ القصص المصورة المصرية والعربية وفي محاولة للتغلب على الرجوع الدائم لنقطة الصفر اللعينة(٤) وتجنباً للوقوع فيما وقع فيه التنابلة أكثر من مرة، على رأي حجازي: وكما جاء تنابلة الصبيان، عادوا إلى بلاد السلطان!
(٤) تعبير استخدمه اللبّاد كثيراً في سلسلته: نظر!
^
حسبو وزوجته
في عصابة التنابلة والأغنية التي تكررت عدة مرات في المغامرة
>
مشهد الشعب عى كرسي الحكم. تمبول الأول. دار الفتى العربي، بيروت.
تم عمل المسح الضوئي للرسوم والأغلفة من المجموعة الخاصة لهاني الطرابيلي.
ٓ© حقوق الرسوم والصور محفوظة لمؤسسة دار الهلال ومجلة سمير.
© حقوق نشر المقال محفوظة للفن التاسع ٢٠٢٠ © شناوي.